فصل: شهر شوال سنة 1213:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر شوال سنة 1213:

استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والأزهر، واتفق أن إمام الجامع الأزهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية، فلما سلم أعاد الصلاة بعدما شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور. فانتبذ بعض الحرافيش نواحي تربة باب النصر وأسرع في مشيه هو يقول: نزلت عليكم العرب يا ناس، فهاجت الناس وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من عمائم الرجال وغير ذلك، واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى أن بعض النساء مات تحت الأرجل، ولم يكن لهذا الكلام صحة وإنما ذلك من مخترعات الأوباش لينالوا أغراضهم من الخطف بذلك.
وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة أيضاً.
وفي أوائله، وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية القبليين تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون الى نواحي ابراهيم بك ومنهم من ذهب الى ناحية أسوان والألفي عدى بجماعته الى ابر الشرقي.
وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين متمرضاً وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين، وسبب تخلفهم أن كبير الفرنسيس لما ارتحل من الصالحية أرسل الى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم يأمرهم بالحضور الى الصالحية لأنهم كانوا يباعدون عنه مرحلة، فلما أرادوا ذلك بلغهم وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور. فذهبوا الى العرين فأقاموا هناك، واتخذ عسكر الفرنسيس جمالهم، فأقاموا بمكانهم، فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين، وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي فحصل للدواخلي توعك فحضر الى مصر وبقي رفيقاه في حيرة.
وفي سابعه أحضر الآغا رجلاً ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق امرأة على شباك السبيل تجاه الباب، والسبب في ذلك أن الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة الركبية ويسي دلوي أحضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي، فاجتمعوا وذهبوا الى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا إليه وكان الأمير ذو الفقار حاضراً وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم، وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ البلد الى دلوي فانتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره أتباعه أن ذا الفقار هو الذي عضدهم وأنهى شكواهم الى كبيرهم، فقام دلوي المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه، فلما خرج من عنده قام وذهب الى كبيرهم وأخبره بفعل دلوي معه فأمر بإحضاره وحبسه بالقلعة. ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد أن التعرض الذي وقع من دلوي لباعة الغلة إنما هو بإغراء خادمه، وعرفه أن خادمه المذكور مولع بامرأة رقاصة من الرميلة تأتيه بأشكالها هو وأضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي بخطهم ليلاً ونهاراً وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم، فلما حبس أميرهم اختفوا فدلوا على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر، ولا بأس بما حصل.
وفي ثامنه يوم الجمعة، نودي في الأسواق بموكب كسوة الكعبة المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الأشاير وخلافهم على العادة في عمل الموكب، فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الأسواق وطريق المرور وجلسوا للفرجة فمروا بذلك وأمامها الوالي والمحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع الأشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وأمامه نفر الينكجرية من المسلمين نحو المائتين أو أكثر وعدة كثيرة من نصارى الأروام بالأسلحة والملازمين بالبراقع، وهو لابس فروة عظيمة، ثم مواكب القلقات ثم موكب ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية، فكانت هذه الركبة من أغرب المواكب وأعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الأشكال وتنوع الأمثال واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الأضداد ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف العادة من نسجها بالقلعة.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره حضر عدة من الفرنسيس وهم راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأْلام بعد الظهر، وأخبروا أن الفرنسيس ملكوا قلعة يافا وبيدهم مكاتبة من ساري عسكرهم بالإخبار عما وقع، فلما كان يوم الخميس واجتمع أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها على هذه الكيفية وهي عن لسان رؤساء الديوان الى الكافة، وذلك بإلزامهم وأمرهم بذلك.
وصورتها: بسم الله الرحمن الرحيم مالك الملك يفعل في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد، هذه صورة تمليك الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الأقطار الشامية، نعرف أهل مصر وأقاليمها من سائر البرية أن العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان ووصلوا الى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان، فشاهدوا عسكر أحمد باشا الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار. ثم أن الفرنساوية وجدوا في الرملة ومدينة لد مقداراً كبيراً من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفاً وخمسمائة قربة مجهزة، جهزها الجزار يسير بها الى إقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين، ومراده أن يتوجه إليها بأشرار العربان من سطح الجبل، ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل قاصداً سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لأنه تربية المماليك الظلمة المصرية، ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره أن الأمر لله كل شيء بقضائه وتدبيره، وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية الى بندر يافا من الأراضي الشامية وأحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية، وأرسلوا الى حاكمها، وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به وبعسكره الدمار، فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب وخالف قانون الحرب والصواب.
وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير: الطابور الأول توجه على طريق عكا بعيداً عن يافا أربع ساعات، وفي السابع والعشرين من الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لأجل أن يعملوا متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينة، لأنه وجد سور يافا ملآناً بالمدافع الكثيرة ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة.
وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق الى السور مقدار مائة وخمسين خطوة أمر حضرة ساري عسكر المشار إليه أن ينصب المدافع على المتاريس وأن يضعوا أهوان القنبر بإحكام وتأسيس، وأمر بنصب مدافع أخر بجانب البحر لمنع الخارجين إليهم من مراكب المينا. لأنه وجد في المينا بعض مراكب أعدها عسكر الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب، ولما رأت عساكر الجزار الكائنون بالقلعة المحاصرون أن عسكر الفرنساوية قلائل في رأي العين للناظرين لمداراة الفرنساوية في الخنادق وخلف المتاريس، غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين مهرولين وظنوا أنهم يغلبون الفرنساوية، فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة في تلك الواقعة وألجؤوهم للدخول ثانياً في القلعة.
وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند ساري عسكر شفقة قلبية وخاف على أهل يافا من عسكره إذا دخلوا بالقهر والإكراه فأرسل إليهم مكتوباً من رسول مضمونه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له بسم الله الرحمن الرحيم، من حضرة ساري عسكر اسكندر برتيه كتخدا العسكر الفرنساوي الى حضرة حاكم يافا، نخبركم أن حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمرنا أن نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره الى هذا الطرف إخراج عسكر الجزار فقط من هذه البلدة لأنه تعدى بإرسال عسكره الى العريش ومرابطته فيها، والحال أنها من إقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الإقامة بالعريش لأنها ليست من أرضه، فقد تعدى على ملك غيره، ونعرفكم يا أهل يافا أن بندركم حاصرناه من جميع أطرافه وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي مقدار ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبركم أن حضرة ساري عسكر المشار إليه لمزيد رحمته وشفقته خصوصاً بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره المحاربين إذا دخلوا عليكم بالقهر أهلكوكم أجمعين، فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب أماناً كافياً لأهل البلد والأغراب، ولأجل ذلك أخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم ساعة فلكية واحدة وإني لكم لمن الناصحين، وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس الرسول مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المححمدية، وحالاً في الوقت والساعة هيج ساري عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر الموجب للتدمير، وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس وانقلب عسكر الجزار وبال وتنكيس، وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا وارتج له القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء الله ولا مدافع، وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت الفرنساوية جميع البندر والأبراج، ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج وحصل النهب فيها تلك الليلة.
وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل من حضرة ساري عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم الأمان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين، وكذلك أمر أهل دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لأجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته ورحمته، يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة، مع تمكينه ومزيد إتقانه وتحصينه وفي هذه الواقعة قتل أكثر من أربعة آلاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم إلا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق أمينة خافية عن العيون، وأخذوا ذخائر كثيرة وأموالاً غزيرة وأخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا أمتعة غالية ثمينة ووجدوا في القلعة أكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله أن آلات الحرب لا تنفع، فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على أحكام الله وعليكم بتقوى الله واعلموا أن الملك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله.
فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل يتيقنون استحالة ذلك خصوصاً ف المدة القليلة، ولكن المقضي كائن.
وفي يوم الجمعة خامس عشره شق جماعة من أتباع الشرطة في الأسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق الفرنسيس، ويقولون لهم: من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام في ذلك، فإن ذلك مما يهيج العداوة، وعرفوهم أنه إن بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد تكلم في ذلك عوقب أو قتل، فلم ينتهوا، وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم.
وفي ذلك اليوم، كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس الى برج الحمل وهو أول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكاً وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار الخلاعة نساء ورجالاً وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجاً وشموعاً وغير ذلك، وأظهر الأقباط والشوام مزيد الفرح والسرور.
وفي يوم السبت المذكور، أرسلوا الأعلام والبيارق التي أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع الأزهر وكانوا أنزلوا أعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من أعلى المنارات، وأرسلوا بدلها أعلام يافا وعملوا لها موكباً بطائفة من العسكر يقدمهم طبلهم وخلفهم الآغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبرو الديوان، وخلفهم طبل آخر يضربون عليه بإزعاج شديد، وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على أكتافهم كالطائفة الأولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الأعلام الكبار والبيارق المذكورة، وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على حمير المكارية، فلما وصلوا الى باب الجامع الأزهر رتبوا تلك الأعلام ووضعوها على أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الآخر من الجهة الأخرى عند حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية، ولم يصعدوا منها على المنارات كما صنعوا في أعلام العريش.
وفي يوم الأحد سابع عشره، رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق مبصومة وألصقوها بالأسواق إحداها بسبب مرض الطاعون وأخرى بسبب الضيوف الأغراب، ومضمون الأولى بتقاسيمه ومقالاته خطاباً لأهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها: إنكم تمتثلون هذه الأوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد الانتقام والعقاب الأليم والقصاص العظيم، وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو ظننتم أو توهمتم أو شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع، يلزمهم ويتحتم عليكم أن تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة أو السوق الذي فيه ذلك أن يخبر حالاً قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط والقلق يخبر شيخ البلد قائمقام مصر وأقاليمها، ويكون ذلك فوراً. وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها وجوانبها والأطباء إذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام ويخبره ليأمره بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش، وكل من كان عنده خبر من كبار الأخطاط أو مشايخ الحارات وقلقات الجهات، ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام ويجازى مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير، وملزوم أيضاً من أصابه هذا التشويش أو حصل في بيته لغيره من عائلته أو عشيرته وانتقل من بيته الى آخر أن يكون قصاصه الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله، وكل رئيس ملة في خط إذا لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه أو بمن مات بها أيضاً حالاً فورياً كان عقاب ذلك الرئيس وقصاصه الموت والمغسل إن كان رجلاً أو امرأة، إذا رأى الميت أنه مات بالكبة أوشك في موته ولم يخبر قبل مضي أربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصه الموت، وهذه الأوامر الضرورية بلزوم أغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والإسلامية تنبيه الرعية واستيقاظهم لها، فإنها أمور مخفية، وكل من خالف حصل له مزيد الانتقام من قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لأجل الصيانة والحفظ لأهل البلد والحذر من المخالفة والسلام.
ومضمون الثانية: الخطاب السابق من ساري عسكر دوجا الوكيل وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان أنهم يشهرون الأوامر وينتبهوا لها، وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام، وهو أنه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة أو وكالة أو بيت الذي يدخل في محله ضيف أو مسافر أو قادم من بلدة أو إقليم أن يعرف عنه حالاً حاكم البلد، ولا يتأخر عن الإخبار إلا مدة أربعة وعشرين ساعة يعرفه عن مكانه الذي قدمه منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة، أو ضيفاً أو تاجراً أو زائراً أو غريماً مخاصماً لابد لصاحب المكان من إيضاح البيان، والحذر ثم الحذر من التلبيس والخيانة، وإذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الأربعة وعشرين ساعة بإظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعدياً ومذنباً وخائناً وموالساً مع المماليك.
ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل أن تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالاً فرانسة في المرة الأولى، وأما في المرة الثانية فإن الغرامة تضاعف ثلاث مرات، ونخبركم أن الأمر بهذه الأحكام مشترك بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل والسلام.
وفيه اجتمعوا بالديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا الباشا المولى أمير الحاج، وهو أنه لما ارتحل مع ساري عسكر وصحبته القاضي والمشايخ الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار، وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى الصالحية، ثم أنهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا الى الجمال فأخذوا جمالهم، فلما وصل ساري عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم، وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم ساري عسكر ثم أن الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الأمر ففارقوهم وذهبوا الى القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى كفور نجم وأقاموا هناك أياماً واتفق أن الصاوي أرسل الى داره مكتوباً وذكر في ضمنه أن سبب افتراقهم من الجماعة أنهم رأوا من كتخدا الباشا أموراً غير لائقة. فلما حضر ذلك المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الأمور اللائقة فأولها بعض المشايخ أنه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص. فظهر لهم خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة وأكرمهم وخلع عليهم، وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف، وجعل يقبض منهم الأموال وحين كانوا على البحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط، فقاطعوا عليهم وأخذوا منهم ما معهم قهراً وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجاناً بإعلام ساري عسكرهم بذلك. فرجع إليهم بالجواب يأمرهم فيه بأن يرسلوا له عسكراً ويرسلوا الى داره جماعة ويقبضون عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته.
وفي يوم الأحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكراً وأرسلوا الى داره جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظراً على الكسوة وعلى ابن أخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة، وضبطوا موجوداته وما تركه مخدومه بكر باشا بقائمة وأودعوا ذلك بمكان بالقلعة، فوجدوا غالب أمتعة الباشا وبرقه وملابسه وعبي الخيل والسروج وغيرها شيئاً كثيراً. وجدوا بعض خيول وجمال أخذوها أيضاً، فانقبض خواطر الناس لذلك، فإنهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة، ثم انهم أرسلوا أماناً للمشايخ والوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين، ولا بأس عليهم.
وفيه ورد الخبر بأن السيد عمر أفندي نقيب الأشراف حضر الى دمياط وصحبته جماعة من أفندية الروزنامة الفارين مثل عثمان أفندي العباسي وحسن أفندي كاتب الشهر ومحمد أفندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم، وذلك أنهم كانوا بقلعة يافا، فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا للمصريين وطلبهم إليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر، وألبسهم ملابس وأنزلهم في مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر.
وفي يوم الإثنين نادوا في الأسواق على المماليك والغز والأجناد الأغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم أورقاً بعد معرفتهم والتضمين على أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستأهل الذي يجري عليه، وسبب ذلك إشاعة دخول الكثير منهم الى مصر خفية بصفة الفلاحين.
وفي يوم الثلاثاء نادوا في الأسواق والشوارع بأن من أراد الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة، وذلك بعد أن عملوا مشورة في ذلك.
وفيه حضر إمام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وأنه مستمر على مودته ومحبته معهم ويطلب منهم الإجازة بالحضور الى مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج، فإن الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج، وفي آخر المكتوب: وإن بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه، فقرئ كتابه بالديوان، فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا إليه، وقالوا إن خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه هذا الاعتذار، ثم كتبوا له جواباً وأرسلوه صحبة إمامه مضمونه إن كان صادقاً في مقالته فليذهب الى جهة ساري عسكر بالشام وأمهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب إليه، وإن تأخر زيادة عليها كان كاذباً في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه.
وفيه كتبوا أوراقاً ونادوا بها في الشوارع وهي: يا أهل مصر نخبركم أن أمير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وأن أهل مصر علماء ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الأمر ولم ينسب لهم شيء، فالحمد لله الذي برأ أهل مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء، ومن كان مراده الحج يؤهل نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة، والمعينون المحافظون من أهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم أن تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين.
وفي يوم السبت غايته، حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما خلا القاضي فإنه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر، وما تجدد به من الحوادث التي منها أن الفرنساوية عملوا جسراً من مراكب مصطفة وعليها أخشاب مسمرة من بر مصر بالقرب من قصر العيني الى الروضة قريباً من موضع طاحون الهواء، تسير عليه الناس بدوابهم وأنفسهم الى البر الآخر، وعملوا كذلك جسراً عظيماً من الروضة الى الجيزة.
ومنها أن توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفةفضل الدائر لنصف النهار على البلاط المفروش بطول الفسحة، ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة بثقب عديدة في أعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس، ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهراً شهراً، وعلى كل برج صورته ليعلم منه درجة الشمس، ورسم أيضاً مزولة بالحائط الأعلى على حوش المكان الأسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول، ولكن لساعات قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر، وفضل دائر الغروب وقوس الشفق والفجر، وسمت القبلة وتقسيم الدرج وأمثال ذلك لأجل تحقيق أوقات العبادة وهم لا يحتاجون الى ذلك، فلم يعانوه ورسم أيضاً بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله أقل من قامة قايم بوسط الجنينة وشاخصها مثلث من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة، وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفراً في النحاس وفيها تنازيل الفضة على طريقة أوضاع العجم وغير ذلك.
ومنها أنهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على أتباعه وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظراً على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة إتمامها صاحبنا السيد إسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب أحد العدول بالمحكمة، فنقلها لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك، وأظهروا أيضاً الاهتمام بتحصيل مال الصرة، وشرعوا في تحرير دفتر الإرسالية الخاصة.